سقف الكفاية
تأليف: محمد حسن علوان
397 صفحة
الطبعة: 2
مجلدات: 1
الناشر: دار الفارابي
تاريخ النشر: 01/07/2004
أنا وأنت، وليس لأحد في الرياض أن يحدّ من نزواتنا، والأشكال الغريبة التي يتخذها شوقنا أحياناً!. كنا نتبادل أشياءنا هذه في أماكن عامة، نختارها حيث العيون أقل، والرقباء أكثر انشغالاً، وما زلت أحتفظ بهذا الشريط، كما يحتفظ البوذي بتمثال بوذاه، أخفيه مع تذكاراتك الأخرى في حقيبة الأسرار.. كم من لعنات المدينة ستنهمر عليك لو قُدِّر لهذه الحقيبة أن يفتحها أحدٌ غيري.. وينشر ما بداخلها؟ صورك العديدة، رسائلك الحميمة، عطرك المقدس، هداياك الثمينة.. سيكون أول ما يجده فاتح الحقيبة من بعدي، وصيتي أن يحرقها.. بما فيها! قبل أن تحترقي بها أنت!.. أعود إلى مكتبتي بعد الصلاة، منذ ساعات وأنا أحاور هذا الصراع الذي يلهب رأسي، أمي أنكرت عليّ مجلس الأوراق وهجران مجلسها، حتى الآخرين الذين صرتُ أغلق هاتفي أمام إلحاحهم لرؤيتي، وعائشة التي صارت تعدُّ لي أكواب الشاي والقهوة بالجملة، حتى أعفيتها من ذلك، واتخذتُ لي إبريقاً صغيراً في غرفتي، يدقُّ على باب قلبي طوال الليل! عكفت على الكتابة ليل نهار، أنام على أوراقي، وأصحوا على مسوّداتِ الأمس، أخلو بنفسي في الغرفة مثل راهب، لأني أريد أن أكتب لكِ ما أحتاج أن أكتبه! فقد رحلت عني طويلاً وآذاني الحزن، وأنا منعزل عن الكتابة إلا من بقايا شهقات على ورقة تشبه الريح، أتركها كما هي.. دون تغيير، أما في كندا، فلم تنقش أصابعي حرفاً عربياً واحداً طيلة سنتين، فتضخّمت ذاكرتي بالأوجاع.. هائنذا أطلقها الآن.. على غير موعد.. ويصهل حصان الذاكرة..".
يصهل حصان ذاكرة محمد حسن علوان منطلقاً خلف ماضي مغلّف بالأحزان، بالآمال، بالأحلام، وبالآلام ترسلها حية راعفة بالمشاعر تذكارات ضمّتها ضلوع عرفت حباً صادقاً. وتنزلق عينا القارئ مع الكلمات وخلف السطور ساحبة بيدها مشاعره وفكره ليسيروا الهوينا خلف رتل المعاني والعبارات التي حفلت بها أحداث الرواية التي وما فتئت تشكل مع سيرورة الأحداث توليفة يسري في ثناياها شجن، بل قل لحن إنساني شجي موقّع بالكلمات.
وكما كان محمد حسن علوان مغرقاً في مشاعره، وصادقاً فيها، كذلك كان واعياً لصنعته الروائية التي ما تركت القارئ على أعتابها، بل هي جرّته إلى عمقٍ حياتيٍّ تآلف من خلال مجرياته مع شخصية الراوي حتى أضحت جزءاً منه. إبداع روائي يُطلّ مشرقاً، ليواكب ركب الإبداع الروائي العربي.
مـن هنــــــــــا