أسباب النزول
تأليف: بسام الجمل
470 صفحة
الطبعة: 1
مجلدات: 1
الناشر: المركز الثقافي العربي
تاريخ النشر: 01/06/2005
تعدّ علوم القرآن من العلوم الثواني الدائرة على نصّ المصحف تدرسه من مختلف جوانبه التاريخية واللغوية والمضمونية، ولذلك تضمّ مصنفات علوم القرآن عديد الأنواع المندرجة فيها مثل أسباب النزول والنسخ والمكّي والمدني وجمع القرآن وكيفية إنزاله ووجوه مخاطباته ومعرفة إعرابه وإعجازه وتفسيره وتأويله.. وأفضى الخوض في هذه المباحث إلى تشكل رصيد واسع من المعارف الإسلامية ما فتئ حجمه ينمو كلما تأخرنا في الزمان. ولا شك في أن وجود هذا العلم الإسلامي مترجم عن إنتاج بشري تاريخي يعكس جهود وأجيال من العلماء المسلمين في تعاملهم مع نصّ المصحف ومحاولاتهم تفهم مسائله وتدبر قضاياه. ذلك أن العلماء القدامى أنشأوا علوماً إسلامية متنوعة المواضيع والاهتمامات استغلوها في مقاربة نص المصحف. فحققوا بذلك غايتين على الأقلّ، أولاهما الاستدلال على صواب تأويلهم له والاعتقاد في إدراك مراد الله من وحيه وتنزيله، وهذه غاية متعلقة بدلالة النص الديني نفسه.
أما ثانية الغايتين، فتتمثل في إقامة البرهان على أن هذا النص معجز بنظمه وبإحكام بنائه من قبيل ما تضمنته مفرداته وجمله من أساليب الحذف والتقديم والتأخير والتكرير والقلب. ومن ثم عبّرت هذه الغاية عن مكانة نصّ المصحف المحورية في الثقافة الإسلامية. وقد اختار الباحث النظر في علم من علوم القرآن هو أسباب النزول ليكون هو الموضوع المحور في هذا الكتاب.
ويقول بأن بواعثه على هذا الاختيار عديدة أهمها ثلاثة، يتمثل أولها في الحضور البارز لأسباب النزول في كتب التفسير القرآني،و هو حضور محتد في الزمان لاقترانه بتاريخ التفسير نفسه. فمن المعلوم أن المفسرين وعلماء القرآن عدّوا أسباب النزول مقدمة من المقدمات الضرورية لممارسة نشاط التفسير. وآية ذلك أن المفسّر محتاج إلى معرفة أسباب النزول والظروف التاريخية المباشرة الحافة بها حتى يتسنى له التعرف إلى السياقات التاريخية والاجتماعية والثقافية التي اقتضت نزول آي القرآن. وجلي أن حضور أسباب النزول في التفسير ينم عن منزلتها المحمودة عند القدامى ويعبر عن حاجتهم الأكيدة إلى معارف من خارج نصّ المصحف يسترشدون بها في بلوغ مراد الله من كلامه. ولا شك في أن حضور أسباب النزول في مبحث التفسير القرآني يعكس أشكالاً عديدة من توظيفها، أقرها المفسرون القدامى في طلبهم معاني آي القرآن، ومن البديهي أن يتأثر ذاك التوظيف بمعطيات عديدة أهمها ثقافة المفسر وانتماؤه المذهبي وطبيعة المشاغل المعرفية والاجتماعية السائدة في عصره. وعندئذ لا بد للباحث من تفحص أخبار أسباب النزول دراسة تحليلية وتناولاً نقدياً حتى تكون أحكامه فيها من جهة صلتها بالتفسير مستقيمة وموضوعية. أما باعثه الثاني الذي حفزه على تناول علم أسباب النزول دراسة وتحقيقاً نقدياً فيذكر الباحث بأن ذلك تمثل في وجود قراءتين في شأنه قاصرتين علمياً وإن كتب لهما الرواج على نطاق واسع، أولاهما قراءة إيمانية متفشية في المؤلفات القديمة سلّم أصحابها بكلّ مرويات أسباب النزول وقبلوها على علاتها دون أدنى سؤال عن حقيقتها التاريخية ودون الجرأة على الطعن فيها بسبب ضوابط سطروها في التعامل مع أخبار أسباب النزول، خاصة في ضوء تلازم أقاموه بين هذه الأسباب والحديث النبوي. ويقول الباحث بأن هذا الإطمئنان إلى أخبار أسباب النزول يصطدم وعند إمعان النظر، بما يلاحظه الدارس من اضطراب القدامى في تعيينها واختلافهم فيها اختلافاً يدعو إلى ضرورة مراجعتها بشكل جذري، للكشف عن كيفيات تعامل المفسرين وعلماء القرآن مع أسباب النزول في تبرير تأويلهم لنص المصحف وإضفاء المشروعية الدينية على تمثلهم التاريخي لمرحلة الدعوة أو للمنظومة الفقهية التي دافعوا عنها وانتصروا لها.
أما ثانية القراءتين، فيقول الباحث بأنها القراءة الاستشراقية الوضعية. وقد حكّم فيها ممثلوها قواعد المنهج الوضعي في مقاربتهم أهم المفاهيم المؤسسة للفكر الإسلامي على نحو ما سيبينه الباحث في غضون هذا العمل. وبالنسبة للباحث الثالث على اختيار الباحث موضوعه هذا تجلى في عدم وجود دراسات عربية حديثة تصدت لمبحث أسباب النزول تصدياً علمياً موسعاً وأثارت قضاياه المنهجية والعرفية، أو أجابت عن أبرز إشكالياته على نحو تدرك كيفيات اشتغال الفكر الإسلامي وآلياته من شأن نص المصحف من خلال أسباب النزول من ناحية، وتعيين مستويات الوعي الديني العبرة عن الضمير الإسلامي في فترة تاريخية محددة وفي وضع ثقافي دقيق من ناحية أخرى.
الناشر:
لقد وقف بسام الجمل أمام العقبات العديدة التي تعترض الباحث في مجال بحث "أسباب النزول"، وأبعاده النظرية والعملية، ولكنه لم ينخرط في الخصومات التي تتعلق به، فواجه موضوعه بروح علمية عالية: جمع المادة المتوفرة وحللّها وقارن بين عناصرها وما أثبتته المصادر في السيرة والتاريخ.
وحسبنا أن نشير إلى بعض ما استنتجه المؤلف مما لا يمكن بعد الآن تجاهله. من ذلك أن تسعة أعشار آيات المصحف لا تتوفر عنها أسباب معينة، وأن ثمانين في المائة من الأسباب تتعلق بآيات الأخبار لا بآيات الأحكام، بصرف النظر عن كونها أسباباً ذات صبغة تاريخية أو أسطورية منحولة. ومن ذلك أيضاً أن المنهج الذي طغى على توظيف هذه الأسباب هو منهج تبريري لاختيارات الفقهاء المتأخرة عن زمن النزول من جهة، وتوفيقي بين الأسباب التي تشتمل على تناقض واضح من جهة ثانية، وإقصائي لبعض الفرق والمذاهب الناشئة بعد عصر النبوة من جهة ثالثة.
وكانت أسباب النزول، عند التمحيص الدقيق، تعكس تارة متخيلاً إسلامياً لا يرى حرجاً في إلغاء قانون السببية، سواء كان متعلقاً بالعجيب والغريب كالكائنات اللامرئية من جنّ وملائكة أو بالعناصر الطبيعية، وتعكس تارة أخرى مظاهر محدودة من التاريخ الإسلامي الأول، وخاصة المغازي وصلة الرسول بالصحابة وبزوجاته، كما تهم عدداً من الصحابة في تعبدهم ومعاشهم. ومن الطبيعي والحالة هذه أنها لا تكفي البتة في تبين كل ما يطمح الباحث في النص القرآني إلى معرفته على وجه الدقة. ولذا كان الرأي الذي استقر عليه المؤلف أن الآيات القرآنية هي التي ينبغي أن تحكم في أسباب النزول لا العكس، كما يذهب إلى ذلك من ليست لهم دراية كافية بطبيعة هذه الأسباب وبالدواعي إليها في التفاسير أو في الكتب المفردة.
وبعد، فليست هذه سوى نماذج هذه سوى نماذج من الفوائد الخطيرة التي يمكن أن يجنيها قارئ هذا الكتاب، وسيجدها مفصلة مدعومة، معروضة بأسلوب يخضع للمعايير العلمية دون أن يغلب عليه جفاف العلم وصرامته.
عبد المجيد الشرفي
لتحميل الكتاب كاملاً - أضغط على الرابط التالي
-