مي زياده مولر
ابتسامات ودموع
" الفكر!.. ما أجذب الفكر إذا هو مزج بطلاوة العاطفة وخيمت عليه أوشحة الخيال! عشت السنوات الأولى من حياتي دون تفكير، وها قد غدا الجناح الملون بألوان قوس السحاب يضرب جبهتي ليفسح له فيها وكراً فصار كل موضوع، وكل مشهد طبيعي ينحني بتأملات زرقاء، وردية، ذهبية،فضية، رمادية تحول حولي تارة، وطوراً تجثم فيّ متعاونة مع ما في الكتاب على إيصالي إلى روح الإنسانية. فإذا أسمع دقات قلبها ومدى أنينها فأدرك أنها شقية بجهلها واضطرابها وهمومها، وأنه قدر على المختارين من بنيها أن يتألموا أضعافاً لأنهم السابقون إلى مقاتلة المجهول وكجميع الطلائع يتلقون ضربات المصادرة والمقاومة فلا تضعف عزائمهم، ولا تكل أقدامهم، ويثابرون على تلمس السبيل في حالك الظلمات، ويسيرون إلى الأمام حاملين غنيمة الجهود الإنسانية والثقة بتحقيق الآمال".
"كان ذلك في صيف عام 1911 وبي تيقظ الفتاة الأولى، واستفسارها الصامت إزاء المسائل الكونية والعمرانية والروحية، المتنبه المتحفز للاهتمام والتحمس. وبي كذلك خجلها وحيرتها وترددها..."
"... كنت شرعت أدرس الألمانية في القاهرة ابان الشتاء ولم ينلني منها سوى عشرين درساً أو أكثر قليلاً. ولما تزودت بالكتب قبيل الرحيل أضفت إلى حقيبتي كتاباً ألمانياً لا غير، هو "الحب الألماني" هذا. وقد وقع عليه اختياري لأن السيدة البروسية التي تتلمذت لها ذكرته ممتدحة أسلوب مكس مولر المشبع فكراً ومعرفة، على سهولته ورشاقته. ونسبت هذه الرشاقة وتلك السهولة إلى كون المؤلف شاعراً بفطرته ووراثته رغم اشتهاره بالعلم والبحث، وإلى كونه إنجليزياً بوالدته كما صار بعدئذ انجليزيا بزوجته وباستيطانه إنجلترا أعواماً طوالاً. فكان له من إجادة اللغة الإنجليزية ومعالجتها والتأليف منها ساعد قوي في تجريد جملته الألمانية من التطويل والصعوبة والابهام الملازم لها غالبا عند كتاب الألمان، لا سيما العلماء والفلاسفة.
"أنشأت أتصفح الكتاب في عزلة "الكوخ الأخضر" ولم أخرج من الفصل الأول حتى تملكتني روحه الشعرية الفلسفية وأرهفت ذهني فتمكنت من الإحاطة بالمعنى العام وإن فاتني من معنى المفردات الكثير. وما أتيت عليه إلا وعدت أراجع قراءته مرات حتى ابتهجت بمحاسنه نفسي المنفردة وعلى قصر باعي بالعربية التي كنت نشرت فيها مقالات ابتدائية قلائل ، ومع إني لم يكن لدي معجم ألماني، استعنت بالقلم والقرطاس لأرسم بلغتي تلك الخطوط البديعة، ولو كان لي مقدرة مكس مولر الفكرية والانشائية لما أفصحت عن حركات النفس بسواها. وقد قال لي أحد الأدباء عندما نشرت "ابتسامات ودموع" في ذيل المحروسة في الشتاء التالي، قال "أسائل ذاتي ساعة أقرأ ذيل المحروسة أأنت ناقلة مكس مولر إلى العربية أم هو ناقلك إلى الألمانية؟".؟ في هذه الكلمة التي تخال تماماً للوهلة الأولى حقيقة أولية هي كل قوة الكاتب الوجداني الذي إنما نحكم له بالتفوق لأنه أحسن التعبير ليس عما يشعر به هو الكاتب بل ما نشعر به نحن القراء. وكيف لا نحكم له بذلك وهو الغريب الجاهل أسرار قلوبنا قد اطلع على خفايانا وبسطها لنا وللعالمين. وكتاب "ابتسامات ودموع" من هذا القبيل آية سحر وبراعة. لا يقصر على الوصف بل هو مهبط وحي للنفوس الحساسة".
"الحب الألماني! كلا. ليس هذا الكتاب حباً ألمانياً فقط بل هو خلاصة بسمات الإنسان وعبراته. فسميته "ابتسامات ودموع". فإن كان ذلك تزييفاً لفكرة المؤلف الواجب احترامها على كل مترجم، فهو صادق من حيث اقتناعي الخاص، أمين للصورة التي ارتسمت منه في نفسي".
هذا ما أوردته مي في مقدمتها لكتابها "ابتسامات ودموع" الذي نقلته إلى العربية من الألمانية عن قصة الكاتب مكس مولر الذي تعرّفنا مي به وبأعماله تلو مقدمتها للكتاب.
كتاب "ابتسامات ودموع" قصة مؤلفة من ثمانية فصول أو بالأحرى من ثمانية ذكريات ضمتها صفحات من رسائل نجت من الحريق على حد زعم المؤلف في المقدمة: "كذلك يقرأ الصديق الأسيف صحائف لم تقع عليها عين غير تلك التي أطبقت إلى الأبد. وإذ يتثبت من خلوها مما يعبأ به العالم يحملها بيد مرتجفة ويلقيها في النار، فيضم اللهيب وديعته هنيهة ولا يطول حتى ينفلت وإياها رماداً.. لقد نجت الصفحات التالية من مثل هذا المقدور..."...
في الذكرى الأولى أسرار الطفولة..
وفي الذكرى الثانية لقاء مع الأميرة...
وفي الذكرى الثالثة خاتم الاميرة..
أما الذكرى الرابعة فهي عودة إلى قصر الأميرة.
وفي الذكرى الخامسة تتفتح براعم الحب.
وفي الذكرى السادسة تهيئة السفر.
أما الذكرى السابعة فهي رحلة طويلة .. في القصر .. مع الكونتس..
كلمات في صور ملونة تترى نلمح بينها هيلانه جوته وهايدي بيرون، ورؤى وعبارات شللر و وردذورث وروسو، وخطوط ترنر، وتنبعث منها ألحان سيمفونيات بتهوفن حتى إذا أتت الذكرى الأخيرة كان الماضي يتمثل في الذاكرة...
save as -حفظ بصيغة
----
رجوع الموجه:روايه
save as - حفظ بصيغة