الاثنين

سوانح فتاه



السانحة الأولى


نحن الفتيات أسيرات الأزياء،و عبدات التبرُّج ، ولُعَب الأهواء، أنكتب نحن فتيات اليوم؟

نعم، صرنا نكتب ليس بمعنى تسويد الصحائف فحسبُ بلبمعنى الانتباه للشعور قبل التحبير ، لقد خبرنا الاختلاء بذواتنا فأقبلنا على تفهممعاني الحياة نتفرس في المشاهد بأبصارٍ جديدة، ونصغي إلى الأصوات بمسامع منتبهة ،ونتوق إلى الحرية والاستقلال بقلوبٍ طروبة، ونعبِّر عن النزعات بأقلامٍ يشفعالإخلاصُ في تردّدها. إن الأمر لكذلك. وجرأتنا هذه لم تبدُ من اللائي سبقننا،وإقدامنا لم يألفه الرجل من سوانا ، والجمهور يرقبنا بنظرةٍ خاصة تائقاً إلىتصفُّحِ نفس المرأة في ما تصِفُ به ذاتهاو ليس في ما يرويه عنهاالكاتبون.

وما الغرض من ذلك؟

يزعم الجمهور إن رغبته في تذوُّق إنشاءِالمرأة لا تُعربُ عن إكبارهِ لذلك الإنشاء ، أو عن إقراره بصدق الفراسة منها. وإنما لأن في كتاباتها مظهراً من مظاهر الذات النسائية العامة.

خطوةٌ صالحةنحو تكريم الأدب النسائي ، إلا أن فيها من الظلم و غمط الحقوق ما فيها. نحن نحبُّ الحلم ، و نطلب التساهل ، و نريد أن يستعان في الحكم علينا "بالظروف المخففة"كما يقول سادتنا الحقوقيون.

نريد ذلك لأننا مبتدئات. نريده لأننا مبتدئات ولأننا بنات يوم تشرق علينا شمسه نخلق أنفسنا بأيدينا ، و نكتشف الطرق غي غابات مهجورة ، ونمهد السبُلَ بين الصخور و الأدغال لنا و للآتيات بعدنا.

إفساح المجال علينا عسير. فنشكرُ للحليم تغاضيه عن القصور في عملنا و انتباهه لضآلةوراثتنا في عالم القلم- كما نشكر للناقد الكيّس ما يُبيّنه لنا من أغلاطٍ ناتجةٍ عن ضعف الفتاة و قلة اختبارها. و لكنهُ لا يجوز في شرع العدل و الحقيقة أن تُرمى جميع أعمالنا بالضعف النسائي و أن يطلق عليها الحكم بلا بحثٍ و مقارنةٍ.

لقدغالى بعض المفكرين، لا سيما بعض الذين أقنعوا نفوسهم بأنهم مفكرون؛ لقد غالى هؤلاء فيفصل المرأة عن النوع الإنساني الذي كادوا يحصرونه في الرجل. و الواقع أن كل حميّةتهزُّ المرأة إنما تنطلق من النفس الإنسانية الشاملة، و كلّ نقص يشوبها إنما يرجعُ إلى العجز البشري الشائع ، و كلُّ أئرٍ من آثار ذكائها إنما هو وجهٌ من وجوه الفكرالإنساني العام.



ويقرأ ولي الدين يكن السانحة الأولى، التي نشرتها مي ويتابع سوانحها الواحدة تلو الأخرى.. كان يعرف صاحبة هذه السوانح .. وكان على اطلاع على ما أنتجه يراعها... كان يعرف صاحبة هذه السوانح.. وكان على اطلاع على ما أنتجه يراعها.. وذات يوم.. ويبدو أنه كان للتوّقد فرغ من قراءة سانحة من سوانح مي.. ويبدو أن إعجابه قد وصل إلى حد حمله إلى الكتابة لمي معبراً عن رأيه فيها.. وكتب:

"سيدتي.
وددت لو ألهمت من الكلام ما يسمو حتى ينتهي إليك في أوجك العالي – أنا حيران – أنظر فأرى فلاً باهراً وتصبو نفسي إلى تلك المحاسن. ثم يستوقفها عرفاني بعجزي. يا بيت القصيد في بدائع القدرة، ليهنأ بك العصر ولتفخر بك بنت إيزيس واوزريس.

لا أدري ما أصف : مجلسك الطيب أم صوتك الرخيم أم كلامك العذب أم فكرك المنير. أقل ما في هذه الملاحات يدق عن فهمي ويعيي عن الاحاطة به ادراكي.

كانت لي في دولة الشعر مكانة، واليوم أشهد الله إني أكاد أهوي من عليائها. أنت كالطبيعة في كل بدائعها ولكنها متقلبة وأنت ثابتة ولا أقرنك إلى من سلفك من سيدات الشرق ولا من جاوزتهن من سيدات الغرب ولا أقول أنت حمامة الدوح فتلك عجماء وأنت معربة ولكني أقول أنك بلبل الشعر الصادح في روض الحياة.

فصولك الغضة تعلو بالمدارك وتنير جوانب النفوس فلا تدعيها كالاوراق التي تحضر في الربيع وتذوي في الشتاء .. جمعيها جنية غضة وكللي بها رؤوس هذه الأعوام – الناس في حاجة إلى هذه الأنام الإلهية...

"ولي الدين يكن"



كان ذلك في 23 نيسان سنة 1912 ... وبعد عشر سنوات عملت مي باقتراح ولي الدين يكن فجمعت هذه الفصول ونشرتها لها دار الهلال سنة 1922 تحت عنوان "سوانح فتاة".




save as - حفظ بصيغة