الأربعاء

التفكير واللغه


أيهما أسبق : اللغة أم الفكر ؟

اختلف علماء النفس في الإجابة عن هذا السؤال. فيرى بعضهم – مثل جلبرت رايل Gilbert Ryle – أن التفكير لابد من أن يسبقه تعلم الإنسان الكلام بصوت عال. ويستدل على صحة رأيه بأن الطفل يكتسب اللغة أولاً قبل أن يتعلم في مرحلة لاحقة التفكير مع نفسه.

في حين يرى آخرون مثل عالم النفس جين بياجيه Jean Piaget أن النمو الذهني للطفل يتقدم مستقلا ، وبصفة عامة يتبعه النمو اللغوي. ويوضح بياجيه أنه يستحيل على الأطفال فهم التعبير اللفظي قبل أن يتمكنوا من إتقان المفهوم الأساسي الذي يقوم عليه هذا التعبير ، بمعنى أنهم لا يفهمون عبارات أو كلمات مثل "الأسبوع القادم" و "مال" و "الموت".

أما عالم النفس فيجوتسكي Vygotsky فيرى أن التفكير واللغة يبدآن كفعاليتين منفصلتين ، وأن تفكير الأطفال صغار السن يشبه تفكير الحيوان لأنه يحدث بدون لغة. ومن الأمثلة على ذلك الطفل الذي لم يتعلم الكلام بعد والذي يحل مشكلات بسيطة مثل تناول الأشياء وفتح الأبواب (أي تفكير بدون كلام).

ومن ناحية أخرى ، فإن أصوات المناغاة (البأبأة) عند الطفل هي كلام بدون تفكير موجه نحو تلبية أغراض اجتماعية مثل جذب الانتباه إليهم ، وجلب السرور للكبار (أي كلام بدون تفكير).

أما النقطة الحرجة في علاقة التفكير باللغة فتحدث عندما يبلغ الطفل حوالي السنتين من عمره. ففي هذا العمر نجد أن منحنى التفكير الذي يسبق اللغة ومنحنى اللغة التي تسبق التفكير يلتقيان ويترابطان لكي يبدأ نوع جديد من السلوك يصبح فيه التفكير لفظيا والكلام معقولا. (وهذا لا يحدث للحيوان الذي يظل "التفكير" و "اللغة" عنده نظامين مستقلين ، وهو ما سنتناوله عند تناول موضوع : هل يفكر الحيوان ؟).

ومن المفيد أن نعرف أنه حتى سن السابعة فإن الطفل يكون غير قادر على التمييز بين الوظيفتين الداخلية (التفكير) والخارجية (الاتصال) للغة ، ولذا تبرز ظاهرة "الكلام المتمركز حول الذات" ego-centric speech. وقد يكون من الطريف أن نشير إلى أن بعض الكبار الذين يعيشون بمفردهم يتحدثون أحيانا إلى أنفسهم بتعليقات عن أفعالهم ونواياهم.

ثالثا : هل يمكن أن نفكر بدون لغة ؟

مثلما انقسم العلماء في الإجابة عن أيهما يسبق الآخر : اللغة أم الفكر ، نجد أنهم انقسموا أيضا حول الإجابة عن هذا السؤال إلى فريقين ، لكل منهما حججه وبراهينه. الفريق الأول يمثله أفلاطون Plato من القدماء ، والعالم الأمريكي جون واتسون John Watson من المحدثين. ويرى هذا الفريق أن التفكير يتم في لغة صامتة بألفاظها وتراكيبها كما لو كان الإنسان يحاور شخصا آخر. وهذا يعني أن اكتساب الإنسان للغة شرط لقدرته على التفكير.

أما الفريق الآخر والذي يمثله العالم هوتسينو فندلر فإنه يرى أن اكتساب اللغة ليس شرطا حتميا لحدوث التفكير.ويدلل على هذا بأن الشخص الأصم الأبكم قادر على التفكير لأنه يشعر بما حوله ويتخذ قرارات وقد يغير رأيه. وهو يقوم بهذا كله بالرغم من أنه لا يعرف كلمة واحدة من اللغة ، ولم يسمع لفظة واحدة منذ ولادته، فضلا عن النطق بها. ويضرب فندلر مثلا بالأمريكية هيلين كيلر Helen Keller الصماء البكماء العمياء التي استطاعت بمساعدة مربيتها أن تتعلم القراءة والكتابة وحصلت على البكالوريوس وعملت محاضرة وباحثة وكاتبة.

ويشير فيرث Firth في كتابه (التفكير بدون لغة : الدلالات النفسية للصمم) الصادر سنة 1966 م إلى أن الأطفال الصم لا يختلفون اختلافا كبيرا عن الأطفال العاديين في أدائهم الذهني ، وأن نموهم الذهني يتبع في كلتا الحالتين المراحل الأساسية نفسها ، بالرغم من أنه في بعض الحالات قد يكون معدل النمو أبطأ بالنسبة للصم. ولكن من المحتمل أن هذا البطء قد يرجع ليس إلى نقص اللغة بقدر ما يرجع إلى نقص عام في الخبرة إزاء نوع البيئة أو الظروف التي ينمو فيها كثير من الأطفال الصم. وقد توصل فيرث إلى نتائج مشابهة فيما يتعلق بالصم البالغين.

ويشير اللغوي الأمريكي لانجاكار Langacker إلى أن أنواعا معينة من الفكر يمكن أن تحدث مستقلة تماما عن اللغة. ومن الأدلة على ذلك الرغبة في التعبير عن فكرة ما مع عدم القدرة على صوغها في كلمات. (ويشبه هذا محاولتنا تذكر اسم شخص نعرفه). فلو كان التفكير مستحيلا بدون لغة لما ظهرت هذه المشكلة أبدا. (وقد تحدث مشكلة عكسية عندما يبدأ الإنسان في الكلام قبل أن يفكر ، وما قد يسببه ذلك من إحساس مزعج).

هذه بعض المواضيع التى يعالجها الكتاب
التفكير واللغه / جوديث جرين
ترجمه عبدالرحيم جبر
القاهره : الهيئه المصريه العامه للكتاب, 1992

لتحميل الكتاب كاملاً - أضغط على الرابط التالي


-